
عبد الواحد استيتو٭
خمسُ سنوات مضت على أوّل خروج لحركة 20 فبراير بمدينة طنجة، وبالمغرب ككلّ. خمسُ سنوات تغيّر خلالها الكثير في مدينة طنجة، سياسيا، واجتماعيا، وعمرانيا أيضا.
الكثير من هذه التغييرات كان للحركةِ نفسِها يدٌ فيه بشكل مباشر أحيانا، وبشكل غير مباشر أحيانا أخرى. “طنجة الكبرى” لم تعد هي طنجة 2011، وكثيرون ممّن كانوا في مراكز القرار غادروها، بل إن تضاريس المدينة العمرانية والطرقية نفسها تغيّرت، استجابة ربّما لنداءات الحركة بالإصلاح، أو نكايةً بها.. ربّما.
فساحةُ التغيير بحيّ بني مكادة التي كانت نقطة انطلاق مسيرات الحركة، وبما تحمل من رمزية كبيرة، هي الآن محاطة بسياج حديدي من أجل إعادة تهيئتها التي انطلقت فعلاً، أما ساحة الأمم، نقطة وصول المسيرات، فقد تحوّل نصفها إلى ورشة كبيرة من أجل إنشاء موقف سيّارات تحت أرضي.
مسيراتٌ وتفاصيل
أوّل خروج للحركة انتهى بخسائر مادية في عدد من الممتلكات، وفوضى كبيرة في الشارع، واحتكاكات مع رجال الأمن، واعتقالات. كان ذلك قبل أن تبدأ الحركة في ضبط خرجاتها، أسبوعا بعد أسبوع، لتصبح أكثر تنظيما وإحكاما وحمايةً لممتلكات الآخرين، وتصبح المحلاّت والبيوت التي كانت تغلق أبوابها خوفاً، تفتحُها دون تردد.
إسماعيل العشيري، 29 سنة، أحد أعضاء مجلس حركة 20 فبراير بطنجة، يقول: “الحركة كانت تتكوّنُ من التنسيقية المحلية لدعمها، وهذه تتكون من نقابات وهيئات سياسية وحقوقية وجمعوية، بينما كان مجلس الحركة مفتوحا في وجه جميع المواطنين”.
وعن طريقة التنظيم والتنسيق، يقول إسماعيل: “كنا ننظم اجتماعات مفتوحة كل يوم أربعاء، تنبثق عنها لجنة تقوم بالتنسيق مع التنسيقية المحلية لدعم الحركة، وبهذه الطريقة كنا نستطيع ضبط كل تلك الجموع من المحتجّين كي لا يحدث أي انفلات، وهو الأمر الذي نجحت فيه الحركة فعلا، باستثناء أول خروج طبعا”.
مسار الحركة، بحسب إسماعيل، كان ينطلق من ساحة التغيير، في حدود الرابعة عصرا كلّ يوم أحد، مرورا بقنطرة “بن ديبان”، وحيّ كاساباراطا ثم “السواني”، وصولا إلى ساحة الأمم، حيث كانت تتوقف المسيرة لتتواصل الشعارات لفترة، قبل أن تتفرق التظاهرة في وقت متأخر نسبيا من المساء.
وعن الدعم المادي واللوجستيكي الذي كانت تعتمد عليه الحركة في تظاهراتها، قال إسماعيل إن الأمر كان يتم، بالأساس، بشكل تضامني بين الأعضاء والمتعاطفين مع الحركة.
مسيراتُ طنجة كانت الأكثر عددا على الصعيد الوطني، وحققت أرقاما قياسية يقدّرها إسماعيل بأكثر من 40 ألف متظاهر، “صحيحٌ أن هناك من كان يقدّر العدد بمئات الآلاف أحيانا، لكن من باب الإنصاف أعتقد أن هذا الرقم كان مبالغا فيه قليلا، وأظن أن أكبر عدد عرفته المسيرات كان في حدود 40 أو 50 ألفا، وهو رقمٌ لا يستهان به أبدا”، يورد إسماعيل.
مضت شهور والحركة لا تخلف موعدها الأسبوعي، قبل أن يبدأ الحماس في الفتور والعدد في النّقصان. يقول إسماعيل: “لا ننكر أن انسحاب جماعة العدل والإحسان من التظاهرات كان له تأثير واضح في الكمّ، لكنه لم يؤثر على الزخم والحماس. الفتور الحقيقي لمسناه بعد شهرين من تنصيب الحكومة، حيث بدأت الطبقة المتوسطة بالمدينة تأمل خيرا في تغيير قادم، وبدأ عدد من المتظاهرين يطلبون من شباب الحركةِ أنفسِهم أن يخوضوا غمار السياسة والانتخابات لإحداث التغيير”.
خمسُ سنوات.. أيّ إنجازات؟
ماذا حققت حركة 20 فبراير بطنجة، إذن، بعد مرور خمس سنوات من انطلاقها؟
جوابا عن هذا السؤال، صرّح جمال العسري، عضو المجلس الوطني للحزب الاشتراكي الموحّد أحد نشطاء الحراك العشريني، بالقول: “لعل أهمّ ما حققته الحركة هو أنها كسرت حاجز الخوف وزرعت ثقافة الاحتجاج والدفاع عن الحقّ وعدم الصمت، كما أنها كسرت الحاجز الذي كان يفصل الحركات الإسلامية واليسارية عن بعضها، ولم يعد هناك ذاك التوتر الدائم بينها عموما”.
ويضيف العسري: “لقد منحت الحركة للوسط السياسي والمجتمع المدني والنقابي حيوية ملحوظة، بعد أن كان يعيش قبل الحراك جمودا ملحوظا، كما أنها فتحت صفحة جديدة بين الشباب والسياسة، ولم يعد هناك تحفّظ لديه بهذا الخصوص”.
في خضم الحراك، وأثناء المسيرات، رفع عددٌ من الأشخاص صورا لمسؤولين جماعيين مستعملين المكانس، في احتجاج رمزي ودعوة للرّحيل عن تسيير المدينة بـ”الما والشطابة”، ومن الغريب أن الانتخابات الجماعية الأخيرة أفرزت نتائج بدت كأنها تستجيب لكل تلك المطالب، حيث مُني جلّ أولئك المسؤولين بهزائم قاسية غادروا على إثرها مناصبهم السابقة.
يوضّح العسري هذه النقطة بالقول: “إن الحركة لم تطالب أبدا بإسقاط أشخاص. لقد كنا ضد منظومة الفساد ككلّ دون تحديد هذا الاسم أو ذاك. ما رُفع أثناء المسيرات هو تعبير فردي لمواطنين عن سخطهم من هذا المسؤول أو ذلك، لكن أريد أن أشير إلى أن سقوط أولئك الأشخاص بالذات هو فعلا من نتائج الحراك الذي جعل الناس أكثر وعيا بمصالحهم وبالسياسة نفسها. لقد أصبحوا يعرفون حقائق ويصدرون أحكاما، حتى إن مسألة شراء الذمم قلّت كثيرا في الانتخابات الأخيرة”.
وعن وضعية الحركة حاليا، وهل لازالت في قمة انتعاشها أما إنها بدأت في الذبول، قال العسري: “الحديث عن موت الحركة هو حديث عن موت الإحساس، الحركة روح وفكرة واحتجاج، فالحركة هي روح مستقرة في جسد كل مواطن. هذه حركة جماهيرية، هي ليست تنظيما سياسيا أو نقابيا مقدّسا. الحراك مستمر دائما حتى لو لم يعُد جماهيريا. الحراك يمكنك أن تلمسه في احتجاجات الأطباء والأساتذة المتدربين وغيرهم. لقد حضرتُ وقفاتهم وأجزمُ أن بعضا من شعاراتهم منبثقة من روح الحراك العشريني، إضافة إلى احتجاجات أمانديس أيضا”.
ويضيف المتحدّث: “تسألني إن كان ما أقوله هو ركوبٌ على الاحتجاجات، وأنا أتساءل عمّن هي الجهة التي ركبت؟ الحراك العشريني يضم أطيافا مختلفة من الشعب المغربي.. فمن ركب على من يا ترى؟ أؤكد أن الحراك ليس ملكا لأحد، هو ملك لكل الشعب، وهو ليس حزبا أو هيئة أو تنظيما سياسيا حتى يركب على حركة احتجاجية ما. من يتحدث عن هذا هو من يريد إفراغ الحراك من مضمونه”.
هي، إذن، الذكرى الخامسة لحراك شبابي شعبي نادى بإصلاحات عديدة، وأفرز نتائج ملموسة على الصعيد السياسي بالمدينة، حراكٌ جعل الإصلاحات بطنجة تسير بوتيرة أسرع وأفضل.
“طنجة الكبرى” بعد خمس سنوات من الحراك العشريني تستعيد الذكرى، وكلّها أمل في أن يتواصل مدُّ نداءات الإصلاح ليطال ما تبقّى من قطاعاتٍ عديدة بالمدينة لازالت تئنّ تحت وطأة الإهمال والتجاهل واللامبالاة.
٭عن هسبريس