مجتمع

مركز الجزيرة للدراسات: البام قد يتصدر الانتخابات البرلمانية المقبلة

الأحد 10 يوليو 2016 - 19:01

مركز الجزيرة للدراسات: البام قد يتصدر الانتخابات البرلمانية المقبلة

أكد تقرير أعده أستاذ القانون العام بكلية الحقوق بمراكش، لفائدة مركز الجزيرة للدراسات، حول الانتخابات التشريعية المقبلة، المرتقب إجراؤها يوم السابع من أكتوبر المقبل، بعنوان “الانتخابات البرلمانية بالمغرب: خيارات الدولة ورهانات الفاعلين السياسيين”، أن حزب الأصالة والمعاصرة سيتصدر الانتخابات القادمة. مسجلا أن حزب الأصالة والمعاصرة مستمر في منحاه التصاعدي في نتائج الانتخابات المقبلة، متوقعا أن يشكل الحزب مفاجأة في الاستحقاقات البرلمانية المقبلة، ويراهن من أجل التحول إلى بديل عن الإسلاميين.

وتعميما للفائدة، ينشر موقع “طنجاوي” المضامين الأساسية لهذا التقرير:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يستعد المغرب لتنظيم انتخابات مجلس النواب في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2016، وهي الثانية في ظل الدستور الجديد لعام 2011 (العاشرة منذ استقلال البلاد عام 1956). ولأنها استحقاق بالغ الأهمية، من حيث السعي إلى تعميق الإصلاحات، وضمان الاستقرار، وتوطيد الديمقراطية، فإنها حبلى بالرهانات والتطلعات، سواء من قبل الدولة بوصفها محور السياسة، أو من لدن مختلف الفاعلين السياسيين.

وتنطلق الورقة من فرضية أن المعالم الكبرى للانتخاب المقبل تحددت في انتخابات 4 سبتمبر/أيلول 2015 الخاص بالبلديات والجهات، وأن المشهد السياسي والحزبي المغربي لا يشير إلى إمكانية حصول تغيرات جوهرية في الزمن القريب؛ حيث إن السباق نحو الفوز في الانتخابات المقبلة سينحصر بين حزبي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة، وإن ما عداهما من الأحزاب، سواء من داخل الأغلبية الحالية، أو من المعارضة، سيكون لبعضها، وهو عدد محدود، دور في بناء التحالفات المقبلة، وما عداها، وهي كثيرة، لن تتجاوز مساهمتها مستوى تأثيث فضاء التعددية الحزبية ليس إلَّا.

ويبدو راجحًا جدًّا أن يشتدَّ التنافس حول الأشخاص ومواقعهم وخلفياتهم، أكثر من البرامج والأفكار والاستراتيجيات، كما ستعرف الساحة السياسية تجاذبًا حزبيًّا لحظة البحث عن بناء التحالفات لقيادة العمل الحكومي. ونُقدِّر في هذا الصدد أن يعرف المشهد السياسي” تحالفات الضرورة” غير المبنية إلزامًا على تقارب الميول الأيديولوجية والفكرية

أولًا: خيارات الدولة 

يُفترض أن يكون خيارُ الدولة منسجمًا مع الدستور وأحكامه، وحماية الاختيار الديمقراطي وضمان احترامه من قِبل كل الفاعلين السياسيين. ولأول مرة يقع الإقرار بشكل واضح في الفصل الأول من الدستور الجديد لعام 2011 بأن الاختيار الديمقراطي ثابت من ثوابت الأمة؛ وبذلك تكون الدولة ضامِنة هذا الاختيار، الذي ليست الانتخابات التشريعية النزيهة سوى إحدى تجلياته. وأناط الدستور بالملك بوصفه رئيسًا للبلاد مسؤولية احترام هذا الاختيار وسلامة ممارسته من قِبل المواطنين، سواء كأفراد، أو كجماعات في شكل أحزاب وهيئات وتنظيمات سياسية، وهو ما تمَّ التأكيد عليه في صدر الفقرة الأولى من الفصل الثاني والأربعين من الدستور الجديد 2011.

1. عَين “العدالة والتنمية” على ولاية ثانية

يُدافع قادةُ حزب العدالة والتنمية عن أن ظفرهم بولاية ثانية في الانتخابات القادمة، سيُمكِّنهم من استكمال الإصلاحات التي شرعوا فيها منذ فوزهم في انتخابات 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2011، كما سيمنَح شعارهم المركزي “الإصلاح ضمن الاستقرار” القوةَ والحظوظ لجني الثمار المنتظَرة منه. أمَّا مصدر قوتهم في الدفاع عن هذا الأفق، فيكمن أولًا في تقييمهم الإيجابي لحصيلة أدائهم على رأس الحكومة منذ عام 2012، ودورهم المركزي في تجنيب المغرب موجةَ الاضطراب وعدم الاستقرار، التي أضعفت عددًا من البلاد العربية. ويؤكدون ثانيًا على أن نتائج انتخابات 4 سبتمبر/أيلول 2015 أثبتت بوضوح استمرارَ شرعيتهم كحزب يحظى بقبول شرائح واسعة من المجتمع المغربي، بما فيها الطبقة الوسطى وشرائح نشيطة في المجال الاقتصادي

إن استحضار تصاعد نتائج الحزب في سُلَّم الانتخابات البلدية والجهوية والتشريعية منذ أول مشاركة للعدالة والتنمية عام 1997، يشير إلى محافظة الإسلاميين على قاعدتهم الانتخابية، وتنميتهم وتطويرهم لها بانتظام؛ فقد أسفرت نتائج انتخابات سبتمبر/أيلول 2015 عن فوز “الحزب بموقع متميز في مراتب تشكيل مجالس الجماعات البلدية والجهات؛ حيث كان نصيبُه من أصوات المقترعين حوالي مليون ونصف المليون، بنسبة 15.94% من مجموع المقترعين، متصدِّرًا من حيث عدد الأصوات، والثالث على مستوى المقاعد، التي وصلت 5021 مقعدًا. وقد شكَّل حظُّه من الجهات المفاجأةَ البارزة، حيث فازَ بأهم المدن الكبرى في المغرب، منتزعًا رئاسةَ خمس جهات من أصل اثنتي عشرة جهة، هي مجموع الجهات الحالية في المغرب. إن مقارنة نتائج هذه الانتخابات مع سابقاتها يشير إلى تصاعد في أرصدة قوة هذا الحزب؛ ذلك أن الحزب الذي حصل في أول مشاركة له في الانتخابات التشريعية عام 1997 على تسعة مقاعد، حصل في الانتخابات الأخيرة لمجلس النواب عام 2011 على المرتبة الأولى بـ107 مقاعد، ليترأَّس الحكومة الحالية إلى حين انتهاء الولاية التشريعية التاسعة. والأمر نفسه ينطبق على الانتخابات البلدية، حيث انتقل مقارنة مع انتخابات 12 يونيو/حزيران 2009 من المرتبة السادسة إلى الثالثة في انتخابات 4 سبتمبر/أيلول 2015

نُقدِّر أن يُشكِّل هذا الرصيد المتنامي في حصد النتائج والمحافظة عليها وتنميتها، قوةَ دفع حقيقية لرهان حزب العدالة والتنمية من أجل انتزاع ولاية حكومية ثانية في اقتراع 7 أكتوبر/تشرين الأول 2016؛ حيث إن الإسلاميين واعون لدقة المرحلة الراهنة، وطبيعة التحدي الذي يواجههم لربح الانتخابات المقبلة، وقد تم تأجيل أشغال مؤتمرهم الوطني الثامن إلى ما بعد الانتخابات، علمًا بأنه كان مطلوبًا منهم الفصل في الكثير من القضايا التنظيمية والسياسية، وعلى رأسها إعادة تجديد هياكل الحزب، بما فيها انتخاب أمين عام جديد خلفًا للأمين العام الحالي، عبد الإله بنكيران، الذي لم يعد في إمكانه حسب قوانين الحزب التقدم لولاية ثالثة. لذلك، سوف يستثمر حزب العدالة والتنمية خبراته الانتخابية المتراكمة، وتعميقها لرفع كفاءة أدائه في الاقتراع المقبل

ويمتلك الحزب قياسًا على غيره من الأحزاب، إمكانيات تنظيمية وتواصلية واضحة، وقدرة على التحكم في قواعده ومناصريه، وجعلهم مؤازرين له ومدافعين عن برنامجه وتطلعاته. وقد كشفت انتخابات 4 سبتمبر/أيلول 2015 عن مجمل هذه القُدرات، سواء في حجم انتشاره وتواصله مع جهات المغرب وحواضره ومدنه وقراه، أو من زاوية امتلاكه قدرة إقناع الناخبين بوعوده الانتخابية بلغة بسيطة. وتكمُنُ قوة الحزب أيضًا في أن صورتَه في مرآة إدراك الناس وتصوراتهم ما زالت مقبولةً وغير مشكوك في نزاهتها، مقارنةً مع مجمل الأحزاب المنافسة له. فتجربة قُرابة خمس سنوات على قيادتِه العمل الحكومي لم تنل كثيرًا من سُمعته، بل يمكن الجزم بأنه حافظ على مكانتِه، رغم الهزَّات التي تعرَّض لها أكثر من مرة، والتي راهنت المعارضة السياسية على تأثيرها السلبي على أدائه، وفشله في استمرار قيادة العمل الحكومي. إن خبرة أدائه في الانتخابات البلدية والجهوية الأخيرة أظهرت قدراته وإمكانياته التي أهَّلته لاستثمار وسائل ناجحة في تسويق خطابه، من قبيل اعتماده آليات غير مألوفة في الدعاية الانتخابية، كالواجهات المدنية والخيرية، واستغلال وسائط التواصل الاجتماعي، وخلق حوارات ونقاشات عمومية مفتوحة، وإلزام قيادته وأطره الحزبية بالتواصل مع المواطنين. علاوة على إشراكه بشكل واسع فئات الشباب والمرأة والشخصيات العامة المؤازرة له. ومشاركة أمينه العام الوازنة في دعم قوائم مرشحيه بكل ما يمتلك من جاذبية شعبية والأمر نفسه ينطبق على وزرائه الذين ترشحوا في مجمل مدنهم

2. رهان” الأصالة والمعاصرة” للتحول إلى بديل

يُجمع المحللون السياسيون والمتابعون للشأن المغربي على السياق الذي تأسَّس في شروطه وظروفه حزب الأصالة والمعاصرة سنة 2008، وأبرزها قُرب أحد أهم مؤسِّسيه، فؤاد عالي الهمة، من المؤسسة الملَكية؛ حيث يضم الحزب في عضويته خليطًا غير متجانس، يبدأ من بعض بقايا اليسار واليسار غير الشرعي سابقًا، ويمتد إلى رجال الأعمال

ومما أثبت صحة معطيات هذا السياق النتيجة اللافِتة التي حصدها الحزب في الانتخابات البلدية عام 2009، شهورًا معدودة بعد ولادته؛ حيث تصدر قوائمها مخلِّفًا وراءه أقدم الأحزاب وأكثرها شعبيةً. ومثَّل فوزه وقتئذ المفاجأة، وأثار ردود فعل مُشكِّكة في قدرته على تصدر قائمة النتائج، بل ذهب بعض المتابعين للشأن الانتخابي إلى اعتباره نسخة جديدة من “الأحزاب الإدارية”، التي دأبت السلطة على إنشائها. إن منحنى تصاعده لم يتوقف رغم تعرض كثير من رموزه وقادته إلى موجات من النقد إبَّان انطلاق الحراك المغربي عام 2011. وتمكَّن الحزب من إعادة بناء ذاته وتعزيز وجوده، فدخل غمار الانتخابات المهنية في 7 أغسطس/آب 2015، ليجد نفسه متصدرًا قائمة الفائزين بـ 18.72%، متبوعًا بحزب الاستقلال 16.11%، وفي مرتبة ثالثة حزب التجمع الوطني للأحرار 14.96%. وهو ما جعل الكثير من المحللين يتوقعون حصوله على مرتبة متقدمة في انتخابات 4 سبتمبر/أيلول 2015، وقد تحقَّق هذا التوقع فعلًا، حين ظفر بالرتبة الأولى من حيث عدد المقاعد، متبوعًا بحزب الاستقلال، وفي مرتبة ثالثة حزب العدالة والتنمية، وإن كان نصيبُه من المصوِّتين في البوادي والأرياف أكثر من الحواضر والمدن

يذهب بعض التحليلات إلى أن مصدر تركُّز أصوات الحزب في البوادي والأرياف، وتراجعه النسبي في الحواضر والمدن، مقارنة مع حزب العدالة والتنمية، يعود إلى التحاق الكثير من الأعيان “رجال الأعمال”، والمتنفِّذين في العالم القروي بصفوفه، إمَّا لتحصين مواقعهم ومكتسباتهم السابقة، أو طمعًا في مكاسب وفرص جديدة

ولهذا الرأي قدر من الرجاحة إذا قورنت درجة الوعي السائد في المدن بالبوادي والأرياف، ومستوى تواضع الثقافة السياسية السائدة في القرى. وبينما حصل حزب الأصالة والمعاصرة على 6655 مقعدًا في البوادي والمدن الصغيرة، أي ما يعادل 27.12% من إجمالي المقاعد على المستوى الوطني، كان نصيبه من المقاعد في المجالس الجهوية 132 مقعدًا، بنسبة عادلت 19.47% من إجمالي المقاعد المخصصة للجهات، وهي في واقع الأمر أرقام مختلفة عن حزب العدالة والتنمية، وتحديدًا بالنسبة لنتائج الجهات؛ حيث فاز بـ174 مقعدًا، أي ما يساوي 24.66% من إجمالي المقاعد في عموم البلاد

يُرجِّح المنحنى التصاعدي لحزب الأصالة والمعاصرة إمكانية سيره على نفس الخط في الانتخابات المقبلة، وقد يُشكِّل مفاجأة يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2016، كما يطمح إلى ذلك، ويجتهد من أجل التحول إلى بديل عن الإسلاميين

__________________________________________

امحمد مالكي – أستاذ القانون العام وعميد كلية الحقوق، جامعة السلطان قابوس، سلطنة عمان