
أصبحت عادة مشاركة صور موائد الإفطار واللحظات الرمضانية الفاخرة على منصات التواصل الاجتماعي ظاهرة متنامية في دول العالم الإسلامي، ومنها المغرب. هذه العادة، التي جاءت نتيجة الثورة الرقمية، جعلت كل لحظة من حياة الإنسان قابلة للنشر والمشاركة مع الجميع، وهو ما يتجاوز مجرد توثيق لطقس رمضاني سنوي أو إبراز قيم الجود والكرم، ليشمل أيضًا أبعادًا نفسية واجتماعية عميقة.
ما بين الواقع والمواقع
يرى مختصون أن هذه الظاهرة، التي لم تكن جزءًا من ثقافة المغاربة في التعامل مع الطعام، تساهم في تعزيز الشعور بالحرمان والتهميش لدى بعض الفئات، كما تكرّس ما يُعرف بـ”ثقافة المقارنة”، ما قد يؤثر على التوازن الاجتماعي والنفسي للأفراد، خاصة عندما لا تعكس الصور المنشورة حقيقة الواقع كما هو.
البحث عن الاعتراف
في هذا السياق، يوضح الدكتور محسن بن زاكور، المتخصص في علم النفس الاجتماعي، أن نشر صور موائد الإفطار خلال رمضان، وغيرها من المظاهر المشابهة، يحمل في طياته بعدًا نفسيًا مرتبطًا بتكوين الفرد النفسي والاجتماعي.
وأشار إلى أن الأشخاص الذين ينشرون هذه الصور، بغض النظر عن أهدافهم أو الدوافع المادية المحتملة، قد يقومون بذلك بشكل يثير مشاعر الآخرين، خاصة المنتمين إلى الطبقات الاجتماعية الأقل حظًا. وأضاف أن هذا السلوك غالبًا ما يكون مدفوعًا برغبة في الظهور، والبحث عن الاعتراف والمكانة الاجتماعية، أو حتى خلق صورة افتراضية تختلف عن الواقع.
وأوضح بن زاكور أن الإنسان بطبيعته يسعى إلى نيل الاعتراف داخل المجتمع، وهناك من يحقق ذلك عبر الإبداع أو البحث العلمي، لكن مع تطور وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح هذا الاعتراف هدفًا يسعى إليه البعض عبر أي وسيلة متاحة. ويرى أن استهلاك صور الموائد الفاخرة يمكن أن يعزز الإحساس بالغبن ويؤدي إلى انتشار الأفكار السلبية في المجتمع.
كما حذر من أن هذه الممارسات تترك تأثيرًا سلبيًا على التكوين النفسي والذهني للأفراد، حيث إن الهوس بالقبول الاجتماعي يفرض ضغوطًا نفسية كبيرة، كما أن استفزاز مشاعر العامة من خلال الصور قد يدفع البعض إلى عقد مقارنات بين حياتهم وحياة الآخرين، ما يزيد من مشاعر الإحباط والرغبة في تغيير الواقع بأي وسيلة ممكنة.
تكريس للفروقات الاجتماعية
من جانبه، يؤكد خالد التوزاني، الأستاذ الجامعي ورئيس المركز المغربي للاستثمار الثقافي، أن نشر صور الموائد الرمضانية على وسائل التواصل الاجتماعي أصبح ظاهرة شائعة داخل المغرب وخارجه، حيث تعكس هذه الصور التنوع الكبير في المائدة المغربية، وتعبر عن بعض جوانب الثقافة والتقاليد الرمضانية، كما تسلط الضوء على حسن الضيافة والكرم الذي يميز المجتمع المغربي.
إلا أنه يشير إلى أن البعض ينشر هذه الصور تعبيرًا عن الامتنان للنعم، لكن هذا قد يؤدي إلى تعزيز مشاعر الحرمان لدى بعض الفئات التي لا تستطيع توفير موائد مشابهة. لذلك، يرى أنه من الضروري مراعاة مشاعر الفئات الأقل حظًا، لأن نشر الصور بغرض التفاخر يتناقض مع روح الصيام التي تقوم على التواضع والتقشف.
وأوضح التوزاني أن تأثير هذه الظاهرة يعتمد على طريقة عرضها واستقبالها، فإذا كانت تعكس روح الكرم والتضامن، فقد تسهم في تشجيع الآخرين على مشاركة النعمة مع المحتاجين، أما إذا كانت تستعرض الفروقات الاجتماعية بشكل مبالغ فيه، فإنها قد تؤدي إلى تقويض الشعور بالتآزر داخل المجتمع.
وختم حديثه بالإشارة إلى أن المغاربة لطالما تجنبوا تصوير الموائد احترامًا لمشاعر الآخرين، حيث كان من آداب الأكل عدم التباهي بالطعام، سواء احترامًا لنعم الله أو مراعاة لمشاعر المحتاجين. في الماضي، كان الكرم المغربي يتجسد في إطعام الآخرين دون الحاجة إلى توثيق ذلك أو التفاخر به، إلا أن وسائل التواصل الاجتماعي غيّرت هذه العادات، مما أدى إلى انتشار ثقافة تصوير الطعام والتباهي به، وهو سلوك لا ينسجم مع الهوية المغربية الأصيلة التي تقوم على مراعاة مشاعر الآخرين وتعزيز قيم التضامن والتآزر.