
محمد العمراني
غدا تنطلق فترة إيداع الترشيحات للانتخابات الجماعية، المقرر إجراؤها يوم 4 شتنبر المقبل، معلنة بذلك عن انطلاق المسلسل الانتخابي، الذي سينتهي بانتخاب أعضاء مجلس المستشارين في الأسبوع الأول من أكتوبر المقبل…
كل المؤشرات تؤكد أن هاته الاستحقاقات ستجري في سياق مغاير تماما لذلك الذي طبع انتخابات 2009. فهي أول استحقاقات جماعية بعد دستور 2011، الذي حمل معه عدة متغيرات، أبرزها خلخلة التوازنات التي طبعت الحقل السياسي خلال الخمس السنوات السابقة عن الحراك الشعبي، دون إغفال تداعيات وصول حزب العدالة والتنمية إلى مسؤولية تدير الشأن العام، حيث صار اليوم معادلة أساسية في المشهد السياسي الوطني…
هناك شبه إجماع على كون انتخابات 2009 مرت في سياق مطبوع بنزعة هيمنية لحزب الأصالة والمعاصرة، الذي كشف بطريقة فجة عن طموحه في بسط سيطرته على المجالس المنتخبة، بأساليب أثارت الكثير من الانتقادات في صفوف الفاعلين السياسيين، الذين لم يترددوا في اتهام البام بسعيه نحو التحكم في المشهد السياسي…
ولعل الأجواء التي تم فيها تنصيب سمير عبد المولى عمدة لمدينة طنجة، رغم توفره على سبعة أعضاء من أصل 85، أكبر دليل على استعماله لأساليب هي أبعد ما تكون عن قيم الديمقراطية، واحترام مبدأ الاختيار الحر…
وبعده بسنة حافظ البام على مصب العمودية في شخص فؤاد العماري، وإن كان الإخراج تغير، والأسلوب كذلك…
اليوم وبعد أربع سنوات على الحراك الشعبي، وما تلاه من متغيرات، جرت مياه كثيرة تحت الجسر…
البام لم يعد هو ذاك الحزب المسكون بنزعة هيمنية، بالمقابل استطاع حزب العدالة والتنمية كسر الخطوط الحمراء التي كانت مفروضة عليه، بل نجح في التحول إلى حزب مؤثر في المعادلة السياسية…
كل هاته الاعتبارات تفيد بمعركة انتخابية حارقة ستدور رحاها بمدينة طنجة…
فحزب العدالة والتنمية وضع على رأس أهدافه، المعلنة والخفية، حرمان البام من الظفر بمنصب العمودية لولاية ثانية، وهو في إصراره على تحقيق هذا المسعى، فإنما يريد توجيه رسالة لمن يهمه الأمر، مفادها أن وجود البام مشروط بمظلة الإدارة…
بالمقابل لا خيار أمام البام إلا الحفاظ على منصب العمودية، لأنه يعلم علم اليقين أن احتفاظه بهذا المنصب سيرفع عنه اتهامات التحكم والهيمنة و الاستقواء بالإدارة…
وإذا سلمنا بكون عهد التعليمات قد انتهى، فإن حظوظ البام في الحفاظ على منصب العمودية مشروطة بقدرته على تدبير مفاوضاته مع حلفائه المفترضين، وإن كان الأمر لا يبدو متاحا بقدر كبير، بالنظر لمجموعة من الأخطاء القاتلة التي ارتكبها البام خلال فترة تدبيره للشأن المحلي بالمدينة، وأيضا لكونه فشل في بناء أداة حزبية قادرة على خلق امتدادات داخل المجتمع، مثلما فشل في تكوين قوائم قوية بإمكانها منافسة البيجيدي، باستثناء قائمة بني مكادة…
البيجيدي ومن أجل نسف طموحات البام، فإنه سينسحب من التنافس على منصب العمودية لفائدة حزبي الأحرار والاتحاد الدستوري، وهو عرض لا يقاوم، وسيجعل من طموحات البام مهمة شبه مستحيلة…
هذا التقاطب الحاد بين البيجيدي و البام بمدينة طنجة، سيحسم فيه حزبا الأحرار والاتحاد الدستوري، وكلاهما سيحاول تحويل الكفة لصالحه، وانتزاع أكبر عدد من المناصب والمسؤوليات…
فالبوادر التي تسبق الانتخابات المقبلة، تؤكد بأن حربا طاحنة، لا تبقي ولا تذر، ستعرفها مدينة طنجة خلال هاته الاستحقاقات…
البام سيدخل المعركة مقلم الأظافر، متأثرا بسياق سياسي ضاغط لا يلعب لصالحه…
حزب العدالة والتنمية سيخوض غمار الانتخابات في ظروف جد مريحة، فأمينه العام يترأس الحكومة، وقد تخلص من كل الخطوط الحمراء التي كانت تقف حاجزا بينه وبين باقي الأحزاب السياسية الأخرى، أكثر من ذلك فالحزب استوعب الدرس، ولا يريد التنافس على منصب العمودية، إنما يريد سحب البساط من تحت أقدام البام، وعزله عن حلفائه المفترضين، مستغلا السياق السياسي الجديد، الذي لا مكان فيه لتحالفات تحت الضغط أو بناء على تعليمات فوقية…
الاتحاد الدستوري سيدخل الانتخابات في وضع مريح، وسينتظر العرض الذي سيضمن له مسؤوليات ومناصب توازي قوته الانتخابية، خاصة وأنه يراهن على احتلال أحد المراتب الثلاث الأولى…
التجمع الوطني للأحرار، يسابق الزمن للملمة جراحه، وسيدخل الانتخابات منتشيا بدعم العدالة والتنمية، حليفه الحكومي، وهي ورقة قوية ستضع التجمع في موقف المفاوض القوي على مناصب مهمة، وفي مقدمتها الفوز برئاسة جهة طنجة – تطوان – الحسيمة…
في مقابل هاته المعارك الشرسة حول المناصب والمكاسب، تنتصب مجموعة أسئلة عريضة:
كل المعطيات تفيد بمشاركة انتخابية هي الأضعف في تاريخ الاستحقاقات الانتخابية بالمغرب، فأين المواطن من كل هذا؟
المدينة تعرف تنزيل أوراش مشروع طنجة الكبرى بميزانية تفوق 700 مليار سنتيم، هل قدمت الأحزاب نخبا وأطرا في مستوى التعاطي مع الرهانات الاقتصادية والأدوار الريادية التي ستلعبها طنجة في المستقبل القريب؟…
ما يحدث الآن هو سباق محموم بين جميع الأحزاب، دون استثناء، نحو احتلال المناصب والمواقع والمسؤوليات لأسباب هم وحدهم يعرفونها جيدا…
أما المواطن فقد اقتنع منذ زمان أن هاته ليست معركته، ولذلك فهو قد قرر الانسحاب بعيدا، والانزواء في مكان يطل من خلاله على معارك صارت تفاصيلها ومجرياتها ونتائجها معروفة سلفا…