
محمد العمراني
وأنا أتابع الموقف الحازم الذي اتخذه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وحكومته، في واقعة الاعتداء الذي تعرضت له ضابطة شرطة فرنسية، ليلة رأس السنة بضواحي العاصمة باريس، على يد مجموعة من الشباب الهائجين، حيث قرر فتح تحقيق عاجل فيما حدث، ومعاقبة الجناة مرتكبي هذا الاعتداء الشنيع، الذي لقي استنكارا من طرف الفاعلين السياسيين والحقوقيين الفرنسيين، استعادت ذاكرتي شريط الاعتداءات المؤلمة التي ذهب ضحيتها المئات من رجال القوات العمومية ببلادنا خلال الأسابيع القليلة الماضية، وكيف قوبلت هاته الجرائم بصمت مطبق من طرف كل الأبواق المتاجرة بقيم حقوق الإنسان، وكيف بلع رئيسا الحكومة، الحالي والمنتهية ولايته، لسانيهما إزاء ما تعرضت له العناصر الأمنية، بمختلف تشكيلاتهم وبالعديد من مناطق المملكة، من إصابات خطيرة، بعضها خلفت لضحاياها عاهات مستديمة، ومع ذلك لم نسمع صوتا لأي مسؤول حقوقي أو سياسي يندد بما حدث و يطالب بمعاقبة المتورطين.
يكفي التذكير أن ما يفوق عن 400 عنصر أمني تعرض لإصابات متفاوتة الخطورة بمنطقة الحسيمة، ناهيك عن عشرات أشرطة الفيديو التي توثق لاعتداءات مهينة وفظيعة ذهب ضحيتها رجال شرطة، أو درك ملكي، أو قوات مساعدة..
هذا السلوك المخجل للمسؤولين الحقوقيين والعديد من السياسيين، يدفعني إلى طرح السؤال التالي:
إذا كانت فرنسا العريقة في الديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان قد سارعت ـ دولة وهيئات حقوقية وسياسية ـ إلى التعامل بحزم وشدة مع هاته الجريمة، وإذا كانت فرنسا هي قدوة العديد من هؤلاء المتشدقين بحقوق الإنسان ببلادنا، فلماذا سارعوا إلى دفن رؤوسهم في التراب، وإغماض أعينهم وصم آذانهم تجاه ما تعرض له مواطنون مغاربة، أناط لهم القانون مسؤولية الحفاظ على الأمن العام وعلى سكينة المواطنين، بل إن ذنبهم الوحيد أنهم يمارسون مهامهم طبقا لأحكام القانون؟..
لماذا لم يسارع هؤلاء المتشدقين بقيم حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا إلى أخذ العبرة من فرنسا، والسير على هديها، وهي مهد الحقوق والقيم الإنسانية الكونية؟..
ألا يدفع هذا الموقف إلى التشكيك في النوايا الحقيقية لهؤلاء؟..
لكن،
وأمام تخاذل هؤلاء “الحقوقيين والسياسيين”، أصر ملك البلاد في خطاب عيد العرش الأخير على إنصاف عناصر القوات العمومية، حينما أعلنها صريحة مدوية:
“..في حين أن رجال الأمن يقدمون تضحيات كبيرة، ويعملون ليلا ونهارا، وفي ظروف صعبة، من أجل القيام بواجبهم في حماية أمن الوطن واستقراره، داخليا وخارجيا، والسهر على راحة وطمأنينة المواطنين وسلامتهم.
ومن حق المغاربة، بل من واجبهم، أن يفتخروا بأمنهم، وهنا أقولها بدون تردد أو مركب نقص : إذا كان بعض العدميين لا يريدون الاعتراف بذلك، أو يرفضون قول الحقيقة، فهذا مشكل يخصهم وحدهم”.
وفي ذلك رسالة لمن يعتبر…