
طنجاوي – يوسف الحايك
لم يعد خافيا على المتتبع للشأن السياسي بالمغرب حالة التشظي التي بات يتخبط فيها حزب العدالة والتنمية بين “الحرس القديم” لأمينه العام، ورئيس الحكومة السابق عبد الإله ابن كيران، ومعسكر أمينه العام، ورئيس الحكومة الحالي، سعد الدين العثماني.
ويوما بعد آخر تتصدر تمظهرات هذا الشرخ والانقسام الداخلي في بيت “الإخوان” أحاديث صالونات السياسة، ومنها إلى عناوين الصحافة.
وفي هذا السياق، تحدثت تقارير صحافية مغربية وأجنبية عن الخلاف بين “صقور” الحزب و”حمائمه”، مشيرة إلى إقرار العثماني بـ”التباين الحاصل في المواقف داخل الحزب الذي يقود الأغلبية الحكومية”.
ووقف موقع “برلمان.كوم” عند حديث العثماني قبل أيام، خلال الملتقى الوطني لرؤساء الجماعات الترابية الذي تنظمه مؤسسة منتخبي العدالة والتنمية عن “تجاوزات عدد من قيادييه وأعضائه الآخرين مؤكدا أنه لن يتساهل معهم وبأنه سيحاسبهم على ذلك حسابا عسيرا”.
التوقيت
ورأى الموقع الإخباري ذاته في حديث العثماني، في هذا التوقيت الذي يأتي بعد جولات الحوار الوطني الداخلي، مؤشرا على فشل الحوار، وازدياد “حدة التشظي والانقسامات في المواقف؛ خصوصا على مستوى تقييم أداء “البيجيدي” في قيادته للحكومة بناء على تقديراته للمرحلة، والتي تطلبت منه تقديم تنازلات قاتلة لحلفائه الحاليين في الأغلبية الحكومية”.
وخلص الموقع إلى أن حديث العثماني يدل على أن “شيئا ما يطبخ في كواليس حزب العدالة والتنمية، وهو ما دفعه إلى التشكي والتظلم ضربات تيار بن كيران”، مرجحا أن يكون هذا التيار قد “أحكم قبضته على أغلبية قواعد الحزب وأصبح يتحكم في خريطته وتضاريسه التنظيمية”.
لغة التدريس
وإلى جانب البعد التنظيمي للوضع الحالي للحزب الذي يقود الحكومة، يشكل الجدل الدائر في الآونة الأخيرة حول القانون الإطار المتعلق بالتعليم، لاسيما في شقه المتعلق بلغة التدريس، ساحة أخرى للتطاحن الداخلي في الحزب.
وفي هذا الصدد قال موقع “ميدل إيست أونلاين، إن الحزب “يعيش على وقع انقسامات وشروخ عميق أحدثها نقاش داخلي حول قانون للتعليم ولغة التدريس وسط تباين في المواقف وحملة تمرد يقودها رئيس الحكومة الأسبق عبد الاله بن كيران ضد رئيس الحكومة الحالية سعد الدين العثماني”.
وأشار الموقع إلى ما شهده اجتماع للحزب مطلع ابريل الماضي، بالرباط من خلافات بين نواب الحزب “بدفع من تيار بن كيران الذي أجج الانقسامات بإخراجه النقاش من إطاره الحزبي إلى منصات التواصل الاجتماعي”.
وربط الموقع بين هذه الانقسامات التي تشق الحزب الإسلامي، وبين توافق جميع الكتل البرلمانية في ما بينها حول تدريس بعض المواد خاصة منها العلمية والتقنية أو بعض المضامين في بعض المواد بلغة أو بلغات أجنبية.
وذَكَّر الموقع بالخرجة الأخيرة لابن كيران عبر الفايس بوك في سياق “حملة دعا فيها للتمرد على العثماني وهو أمر استهجنه ورفضه وزراء من العدالة والتنمية”.
واستغرب المصدر ذاته الأمر، معتبرا أن ابن كيران “خبر التعامل مع مثل هذه المسائل وهو من قاد الائتلاف الحكومي الأول وهو من سبق له قيادة الحزب، لكن هذا الطرح في توقيتاته وطرق تبليغه والحشد له عبر فايسبوك يعكس توجه الأمين العام السابق للعدالة والتنمية لتضييق الخناق على خلفه سعد الدين العثماني ضمن تصفية حسابات سياسية حتى إن كلف الأمر شق الحزب”.
وقرأ الموقع في تحرك ابن كيران محاولة من جانب تيار بن كيران لـ”ضرب توافق حزب العدالة والتنمية مع الأغلبية والمعارضة لتمرير القانون بصيغته الحالية”.
ماء العينين والإخوة “الأنذال”
وما يزيد من تعميق الأزمة الداخلية لحزب “المصباح” نتائج انتخابات مجلس النواب الأخيرة، واستبعاد أمانته العامة لأمينة ماء العينين، القيادية المثيرة للجدل بالحزب، من لائحة الأسماء التي كانت مرشحة لشغل أحد مناصب الغرفة الأولى للبرلمان.
هذا الخطوة، أعقبتها حرب كلامية بين القياديين في الحزب، وصلت إلى حد إقدام ماء العينين على نعت إخوانها في العدالة والتنمية بـ“الشياطين“ و“الأنذال“.
وانبرت أمينة ماء العينين لمهاجمة خصومها من داخل التنظيم السياسي عبر مشاركتها في برنامج “حوار” على قناة “فرانس24”
وصرحت ماء العينين بأن حزبها “ليس حزب ملائكة”، وأنه يحوي في صفوفه شياطين كما هو حال باقي الأحزاب.
ونبهت إلى أنها رصدت تصرفات وصفتها بـ”غير المقبولة” من طرف البعض.
كما وصفت بعض التصرفات داخل الحزب بـ”النذالة”، معتبرة أن الحزب “أصبح يعرف سلوكيات لا تشرفه”.
وجاءت تصريحات ماء العينين أياما قليلة على تصريح لوزير حقوق الانسان، وعضو الأمانة العامة للحزب، المصطفى الرميد، قال فيه إن أمينة ماء العينين “دوزت وقتها كما الآخرون دوزوا وقتهم، وهذا طبيعي”.
وأضاف الرميد الذي كان متحدثا في مقابلة تلفزيونية ضمن برنامج “حديث الصحافة” أن حزبه “حزب حي، ومن الطبيعي أن يغير الوجوه من أجل منح فرصة للآخرين”.
وأقر الرميد باستحضار الأمانة العامة للحزب واقعة نزع ماء العينين للحجاب.
“العدالة والتنمية”.. من الدعوة إلى الانتهازية
ووجد مراقبون في تخلي الحزب عن ماء العينين في “ردا مبطّنا على الصور المثيرة للجدل والتي ظهرت فيها القيادية البارزة في حزب العدالة والتنمية، دون حجاب في فرنسا قبل أشهر”.
وفي هذا الصدد، قال الدكتور إدريس الكنبوري، الأكاديمي والباحث والمحلل السياسي المغربي، إن حزب العدالة والتنمية الحاكم تغير أسلوبه بشكل جذري منذ وصوله إلى الحكومة العام 2012، “حيث لم تعد فلسفته قائمة على الشق الدعوي والأخلاقي، بل أصبح مثله مثل باقي الأحزاب المتواجدة في الساحة السياسية المغربية”.
وأضاف الكنبوري في تصريح لموقع “إرم نيوز”، أن حالة ماء العينين ما هي إلا تطورًا لمتلازمة الفساد السياسي المسكوت عنه في البلاد، مبينًا أن حزب العدالة والتنمية أصبح جزءًا منه، وذلك بعد أن دخل مؤخرًا في حروب من تحت الحزام لأجل المناصب والسلطة.
ونبه المحلل السياسي ذاته إلى أن ما وصفها بـ”الطبقة الانتهازية” هي التي تسيطر حاليًا على حزب العدالة والتنمية، فيما تم تهميش مجموعة من الأسماء المنتمية إلى الجناح الدعوي للحزب.
ولفت المصدر ذاته إلى أن بعض القياديين في الحزب الإسلامي “يستغلون عباءة الدين لملء جيوبهم مستغلين في ذلك الريع السياسي”.
واعتبر الأكاديمي المغربي أن الأحداث التي واكبت انتخابات هياكل مجلس النواب، “كشفت أن الواقع السياسي في البلاد فاسد ومريض”.
وتساءل الكنبوري حول ما “إذا كانت هذه الحروب الكلامية والتي وصلت إلى درجة فضح الأسرار الداخلية لدى بعض الأحزاب المتواجدة في قبة البرلمان خلال انتخاب الهياكل التشريعية، فماذا يحصل في الكواليس قبل أن يصل هذا الشخص أو ذاك أو الحزب برمته إلى قبة البرلمان؟”.