
طنجاوي – يوسف الحايك
أثار توجه الحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية إلى إقرار تحصين ممتلكات وأموال الدولة و الجماعات ضد الحجز القضائي، ضمن مشروع قانون المالية لسنة 2020، غضبا واسعا في الأوساط القانونية والحقوقية.
ويرى مراقبون أن توجه الحكومة هذا، يسعى إلى توفير الحصانة لرؤساء الجماعات المنتمين لـ”البجيدي” ضد أحكام القضاء.
رسالة: فضيحة قانونية
وفي هذا السياق، أعرب الرؤساء السابقون لجمعية هيئات المحامين بالمغرب عن رفضهم لما وصفوه بـ”التلاعب بإحكام القضاء ضد الدولة بمشروع قانون المالية الجديد”.
وطالب الموقعون على رسالة موجهة إلى المحاميات والمحامين والرأي العام، هيئات المحامين بـ”القيام بواجبهم والوقوف من أجل الدفاع عن القرارات والأحكام القضائية الصادرة بالأساس ضد الدولة والدود عن مصداقيتها وعن قيمتها و فرض تنفيذها ومنع التلاعب بها أو التحايل على تنفيذها ضدا على الوقار والاحترام الواجب لها وضدا على القيمة الدستورية للأحكام النهائية الواجبة التنفيذ”.
وحذر الموقعون على الرسالة من “الاستيلام لما ورد بمشروع قانون المالية لسنة 2020 الذي صادقت عليه و أحالته الحكومة المغربية على مجلس النواب”.
ونبهت الرسالة إلى أن جاءت المادة التاسعة من مشروع القانون المالي بـ”أخطر المقتضيات”.
ورأت أن هذه المادة “ستغتصب مصداقية القضاء ومصداقية أحكامه ضد الدولة وستقوض أحد المقومات الأساسية لدولة القانون، و في النهاية ستقتل ما بقي من ثقة للمواطنين و للمتقاضين وللمحامين في القرارات والأحكام الصادرة عن القضاء من مختلف درجاته”.
وقال الموقعون على الرسالة “إننا اليوم نشهد فضيحة سياسية وقانونية ومسطرية ليست بعدها فضيحة، اننا نقف على عتبة الضربة القاضية ضد سيادة واستقلال القضاء وعلى بداية الانهيار القضائي بسبب توجه الحكومة الجديدة المنافي لمصالح المتقاضين”.
الشرقاوي: إهانة للقضاء
إلى ذلك، تفاعل عمر الشرقاوي، أستاذ العلوم السياسية، والمحلل السياسي، مع الخطوة التي أقدمت عليها حكومة سعد الدين العثماني.
وقال الشرقاوي في تدوينة نشرها عبر حسابه على الفايس بوك “دبا السي العثماني اللي باغي تحصن ممتلكات الجماعات من الحجز ضد أحكام قضائية، اش نديروا بالقضاء اش نديروا بحقوق المواطن اش نديروا بربط المسؤولية بالمحاسبة، مادام لا يهمك سوى مصالح رؤساء الجماعات وعمداء المدن ديال حزبك؟”.
وخاطب صاحب التدوينة العثماني بالقول “انت بهذا المشروع اسي العثماني تهين القضاء وتحتقر مصالح المواطن وتهدم ما تبقى من أركان دولة القانون”.
وتابع قائلا “بمشروعكم المالي الرديء الذي يضفي الحصانة على الاملاك العمومية لم يعد هناك حاجة لمقاضاة الدولة او مطالبتها بالحقوق انك تحولنا لبلد الفوضى الذي تاكل فيه الدولة مواطنيها، والذي تهضم فيه حقوق المواطن فقط لحماية أملاك الدولة ولو أدى الأمر إلى ضياع أملاك المواطن فهو في عرفكم لا يصلح لشيء وحقوقه لا تستحق الحماية”.
مادة محذوفة
وكانت الحكومة قد اضطرت لحذف المادة 8 مكرر بقانون المالية لسنة 2018، المتعلقة بتنفيذ الأحكام الصادرة ضد الدولة والجماعات الترابية.
وكانت المادة المحذوفة تنص على أنه “يتعين على الدائنين الحاملين لسندات أو أحكام قضائية تنفيذية نهائية ضد الدولة أو الجماعات الترابية ألا يطالبوا بالأداء إلا أمام مصالح الآمر بالصرف للإدارة العمومية أو الجماعات الترابية المعنية”.
وتشير المادة المحذوفة إلى أنه “في حالة صدور قرار قضائي نهائي اكتسب قوة الشيء المقضي به، يدين الدولة أو الجماعات الترابية بأداء مبلغ معين، يتعين الآمر بصرفه داخل أجل أقصاه 60 يوما ابتداء من تاريخ تبليغ القرار القضائي السالف ذكره في حدود الاعتمادات المالية المفتوحة بالميزانية”.
كما تؤكد المادة ذاتها على أنه “يتعين على الآمرين بالصرف إدراج الاعتمادات اللازمة لتنفيذ الأحكام القضائية في حدود الامكانيات المتاحة بميزانياتهم، وإذا أدرجت النفقة في اعتمادات تبين أنها غير كافية، يتم عندئذ تنفيذ الحكم القضائي عبر الأمر بصرف المبلغ المعين في حدود الاعتمادات المتوفرة بالميزانية، على أن يقوم الآمر بالصرف باتخاذ كل التدابير الضرورية لتوفير الاعتمادات اللازمة لأداء المبلغ المتبقي في ميزانيات السنوات اللاحقة، غير أنه لا يمكن في أي حال من الأحوال أن تخضع أموال وممتلكات الدولة والجماعات الترابية للحجز لهذه الغاية”، وفق منطوق المادة المحذوفة.
ونبه المحلل السياسي في تدوينة ثانية إلى أن الحكومة “قبلت حذف مادة حصانة أموال وممتلكات الجماعات في 2017، ووعدت بالنظر في الحجز بعيدا عن القانون المالي واليوم تخلف وعدها وتعيد المادة في مشروع القانون المالي ل2020″، ورأى الشرقاوي أن ما ذهبت عبر إعادة تصميم هاته المادة يعد “شوهة لحكومة العثماني”.
وختم قائلا “هذه حكومة لا الثقة فيها، فهي لا تحترم التزاماتها ووعودها”.
مفارقة
من جهته، وقف كمال المهدي، نقيب هيأة المحامين بتطوان عند تزامن الخطوة مع احتضان مدينة مراكش للمؤتمر الدولي حول “العدالة والاستثمار.. التحديات الرهاتات”.
واعتبر المهدي في تدوينة له أن الأمر يشكل مفارقة حيث بذل جهد كبير من أجل تنظيم مؤتمر دولي نوعي، و”هذه الحكومة تنسف كل ذلك بالتنصيص على منع الحجز على أموال الإدارة تنفيذا للمقررات القضائية الصادرة في مواجهتها لفائدة المواطن.
وتساءل المهدي “كيف يمكن طمأنة الإستثمار الأجنبي إذا كانت حكومة البلد تشرع لتعطيل تنفيذ الأحكام؟”.