
طنجاوي
يبدو أن الصحفية “المبتدئة” أو كما يحب البعض أن يسميها “الهاوية” قد فهمت في وقت وجيز، لا يتعدى الثلاثة أيام، ما لم يستطع “الكل” فهمه في ستة أشهر، لتقف على طبيعة “الحراك الشعبي” والمتدخلين فيه بكافة أطيافهم، والأهداف المعلنة والخفية، وهو الوقت الذي قضت معظمه حول أطباق السمك، والمشادات الكلامية مع باقي زملائها في المهنة، وفي أخذ “سيلفيات” ترفقها كل مرة بتدوينات عبر حسابها في الفيسبوك، لم نفهم المغزى منها ولا يمكن أن يكون لها معنى سوى أنها تنشر من خلالها “جمالها” على صفحات الأنترنت “عل وعسى يجيب الله” في العالم الافتراضي ما لم تستطع أن تصل إليه في أرض الواقع.
ففي الوقت الذي استمر “الحراك الشعبي” لمدة تناهز الستة أشهر، بما في ذلك من أخذ ورد، ومساهمة كل الفاعلين، من مؤسسات وأجهزة دولة، ومجتمع مدني ومنظمات حقوقية، وفعاليات صحفية، لإيجاد حلول جذرية والاستجابة للمطالب العادلة للفئة “الناجية”، الناجية من الأيادي الخفية التي تحرك “الحراك” لتحقيق أهداف غير معلنة، وهو الأمر الذي جعل الكثير من الصحفيين المستقلين، الأكثر نضجا أن يتحفظوا ويترزنوا قبل أن يصدروا أحكاما مطلقة، والمشاركة في مؤامرة تحاك خيوطها داخل وخارج أسوار الوطن، استطاعت “الهاوية” إعطاء صورة “عفوية” نمطية عما أسمته هي ب”حسن نية” “حراكا سلميا” ذو مطالب اجتماعية محضة.
استبشرنا خيرا في بادئ الأمر بزيارتك إلى تلك المنطقة العزيزة من ربوع المملكة، وتصدينا لمبدأ “من الحزم سوء الظن” الذي يراودنا في كل مرة نتعامل فيها مع أهداف مصلحية ومآرب شخصية، لا يتعدى طموح أصحابها في بعض الأحيان لأكثر من لفت الانتباه أو رفع نسبة المشاهدات، فأحسنا الظن بك ، منتظرين ما قد تفضي إليه “تحقيقاتك” على أرض الواقع، وأنت التي كلفت نفسك “عناء” التنقل و”مشقة” السفر قصد “الوقوف على الحقيقة” كما ادعيت والاستمتاع بجمال المنطقة “حجة وزيارة”، لكن سرعان ما خابت ظنوننا، حتى قبل أن تعودي إلى ديارك، فالمتتبع لرحلتك “المكوكية” لا يخفى عليه كيف قضيتيها، ومع من قضيتيها، وفي الإجابة على السؤالين خرق لأسمى قواعد الممارسة الصحفية المستقلة.
فأما عن سؤال الكَيْف، لسان حالك يجيب “شكرا صاحب فندق لابيرلا وأصحاب سيارات الأجرة والمتاجر والسمك والمقاهي الذين شرفوني بالتحايا والسلام وجعلوا زيارتي للمدينة متاحة بالمجان”، فكيف يعقل لصحفي يحترم نفسه ويدعي الاستقلالية التفاخر بمجانية الرحلة؟؟ ألا يعتبر توفير المسكن والمأكل والمشرب وسيلة من وسائل التمويل وتوجيه الخط التحريري للكاتب أو الصحفي، أم أن الأمر مباح مادام لم يصل إلى المبالغ الطائلة؟؟. “ما يسكر كثيره فقليله حرام” تلك كانت بداية إطلاق العنان لعاطفتك وإذهاب ما تبقى من عقلك، ضاربة عرض الحائط أهم أبجديات المهنة، فالصحفي المستقل كلمة لها دلالات أكثر مما فقهتيه، فهي لا تعني التهكم والجرأة وتجاوز الخطوط الحمراء – وسيلتك لجذب الانتباه وحشد الأتباع في عالم افتراضي-، وإنما الالتزام بالموضوعية في التحرير وتحري الدقة في المعلومة ونقل الوقائع بأمانة وأهم شيء الحفاظ على مسافة الأمان مع كافة الأطراف، وإلا بالتأكيد “غادي تكر فيك الملحة” فتحكمي من زاوية ضيقة و”ماشي بعيد تعطي فيك ريحة الحوت”.
أما عن سؤال مع من، فسيلفياتك التي ملأت الفضاء الأزرق، “لغاية في نفس يعقوب”، جعلتنا نتنبأ بالمنحى الذي سيسلكه خطك التحريري، ففي الوقت الذي كنا ننتظر منك الوقوف على كافة الحقائق وطرق جميع الأبواب، والاستماع لكافة الفعاليات داخل وخارج “الحراك الشعبي”، المتفق والمختلف مع تحركاته من أبناء المنطقة، “الفاهم” لما يدور حوله و”الغشيم”، فالكل من حقه أن يدلي بدلوه و”ما على الرسول إلا البلاغ”، اختارت “الناجي” – اسم على غير مسمى – أن تسقط في فخ الانحياز، فتستمتع مع طرف واحد، أو تستمع، أقصد، لشخص واحد نصب نفسه أحاديا “زعيما” للحراك الشعبي” وممثلا للريف وأهله، في حين تناست باقي الأطياف وباقي “القادة” في الحراك الذين يختلفون مع “الزعيم” ويستشعرون خطرا محدقا ببلادهم، ويزعجهم بزوغ مرتزقة النضال وراكبي الأحداث من كل حدب وصوب.
إن وصفك ل”الحراك” ب”السلمي والبريء” مغالطة كنا نتمنى صحتها، لكن رحلتك “الاستجمامية” لمدة ثلاثة أيام، التي كان بإمكانك أن تختاري وجهة لها رمال زاكورة في إطار “UN VOYAGE ORGANISE”، غير كافية بتاتا للوقوف على الحقائق الظاهرة والخفية لطبيعة المتدخلين في “الاحتجاج” بالريف، ولا عن الأهداف الغير المعلنة له، خاصة وأنك لم تكلفي نفسك حتى عناء البحث القبلي لفهم تطور الأحداث والمشاركين فيها، فكيف تصفين حراكا ب”السلمي” استخدم في إيصال صوته أبشع صور العنف، أم أن غرورك بعدد المتتبعين في صفحة الفيسبوك لم يسمح لك بتضييع وقتك للاطلاع على صفحات أخرى نشرت فيديوهات لرجال أمن بالمئات يلقون بأنفسهم من أسطح البنايات للمغامرة بموت أفضل من الموت في محرقة جماعية على يد “نشطاء الحراك” بطريقة “النازية”، أم أنك تنتظرين حرقهم بطريقة هوليودية على غرار “معاذ الكساسبة” لكي يثيروا انتباهك؟؟!!
من الطبيعي كذلك ألا تستشفي النزعة الانفصالية لدى العديد من المتدخلين في “الحراك الشعبي”، فمستواك التحليلي لا يرقى إلى تحليل خطابات معظم متزعمي الحراك، وحتى وان كان بعضها لا يحتاج إلى التحليل، فبصريح العبارة يحلم الكثيرين منهم ب”الجمهورية” وب”استقلال” منطقة الريف، ولم يتعب “مُوَكِّلُوكِ” من ترديد عبارات من قبيل “الاستعمار الغاشم” و “العسكرة” رافضين وجود أي رمز من رموز الدولة بالمنطقة.
خلاصة القول، “الموضوع كبير عليك” والفسحة الاستجمامية التي استغليتها لتصريف مشاكلك العاطفية، والارتياح من تجربة غرامية فاشلة، لم تكن لديك القدرة فيها على المنافسة العاطفية كما هو الحال بالنسبة ل”المنافسة الصحفية”، ففضلت جبال الحسيمة التي اعتبرتيها “موناكو المغرب..أو ميامي أو باربيدوس” خاصة أنها رحلة “تقامت عليك تقريبا فابور” وطبقت حرفيا مقولة “حجة وزيارة”، فرفعت رصيدك من اللايكات ونسبة المشاهدة، لن تحقق لك التوازن الذي تبحثين عنه من خلال خرجاتك الإعلامية، وإذا كانت النساء توصف “بناقصات العقل والدين” وذلك ليس باحتقار لهن، فمهنتك لا تسمح بالنقصان والأرجح لك أن تبحثي عن نصفك الآخر لتتميم باقي العقل وخلق التوازن الذي تحتاجين إليه، قبل الخروج للبحث وإصدار التقارير.