أخبار وطنية

عام هجري جديد… ما بين غزة والصعود الاقتصادي أمة لا تزال تنبض

الجمعة 27 يونيو 2025 - 13:09

عام هجري جديد… ما بين غزة والصعود الاقتصادي أمة لا تزال تنبض

مع كل دخول لسنة هجرية جديدة، يجد المسلمون أنفسهم أمام لحظة مراجعة بين زمنين: ماضٍ يُستحضر بتأمل، وحاضر يُفحص بقلق، ومستقبل يُنتظر برجاء. غير أن اللافت، عامًا بعد عام، هو ميل جزء كبير من الخطاب العام إلى اجترار الخيبات وجلد الذات، في تكرار شبه دائم لصورة العجز والانكسار، وكأن هذه الأمة لا ترى في نفسها إلا ظل الهزيمة، ولا في تاريخها إلا الهامش.

لكن الواقع أكثر تعقيدًا، وأكثر قدرة على كسر هذه الصورة النمطية. غزة، مثلًا، تستقبل هذا العام تحت القصف والحصار، لكنها تقاوم. ليس لأنها تمتلك القوة المادية، بل لأنها ما تزال تملك المعنى. في صمودها تذكير بأن هذه الأمة لم تفقد روحها، وأن البقاء ليس دائمًا ابن السلاح، بل ابن الإيمان والمبدأ والكرامة.

غير أن المقاومة ليست فقط في الميدان، بل في التفكير أيضًا. من بين أبرز تحديات اللحظة الراهنة أننا أصبحنا ننظر إلى أنفسنا من مرآة الآخر، نقيس التقدم بميزانه، ونحاكم حاضرنا انطلاقًا من توقعاته. ورغم أهمية النقد، فإن غياب التوازن في الخطاب يفرغ الواقع من إمكاناته، ويُكرّس شعورًا دائمًا بالعجز، وكأننا محكومون بالتراجع.

في المقابل، هناك وقائع على الأرض لا يمكن تجاهلها. عدد من الدول في العالم الإسلامي تشهد تحولات اقتصادية وتنموية لافتة. من السعودية التي تعيد هيكلة اقتصادها نحو الابتكار والتصنيع، إلى الإمارات التي ترسخ موقعها في مجال التكنولوجيا والفضاء، إلى المغرب الذي يوسّع حضوره الصناعي والطاقي إفريقيًا، وقطر التي تمزج بين التنمية الاقتصادية والنفوذ الدبلوماسي.

وتكشف تقارير اقتصادية موثوقة عن آفاق صعود واعدة لعدد من الدول الإسلامية في العقود المقبلة، كإندونيسيا وتركيا وماليزيا ومصر، في حال تمكّنت من تثبيت استقرارها السياسي وتعزيز مناخ الاستثمار، وهو ما يعني أن موازين القوى الاقتصادية قد تشهد تحولًا جزئيًا باتجاه الجنوب العالمي، إذا ما توفرت الإرادة والمؤسسات الفاعلة.

ولا يمكن في هذا السياق نفي أن الأمة، رغم الظروف، لم تتوقف عن إنتاج المعرفة. علماء بارزون من جذور مسلمة ساهموا في الطب والفيزياء والرياضيات والفضاء، ونال بعضهم أرفع الجوائز العلمية. هذه الأسماء لا تُغيّر واقع الأمة وحدها، لكنها تذكّرنا بإمكانية التميز حين تتوفر البيئة الداعمة.

هذا لا يعني أن الواقع خالٍ من الأزمات: الحروب، الاستبداد، الفقر، وتدهور التعليم ما تزال تحديات حقيقية في أكثر من بلد. لكن الإقرار بها لا يعني التسليم بها، كما أن تسليط الضوء على الإنجازات لا ينبغي أن يتحول إلى خطاب دعائي فارغ.

المطلوب اليوم هو خطاب متزن، لا يغفل التحديات، ولا يتجاهل ما تحقق. خطاب يُحيل على مشروع بناء الذات لا مشروع تقريعها، على منطق الاستفادة من التجارب لا اجترار الخسائر. والأمل، في النهاية، ليس ترفًا، بل ضرورة للبقاء والاستمرار.

عام هجري جديد يمرّ، ونحن أحوج ما نكون إلى مراجعة هادئة، لا لتأنيب النفس، بل لتحفيزها. فالتاريخ لا يرحم الأمم التي تظل واقفة على الأطلال، بل يكتب سطوره لمن اختار أن ينهض، مرة أخرى، من تحت الركام.

كل عام وأنتم بخير،
وكل عام والوعي أوضح،
والأمل أوسع،
والفعل أسبق من القول.