مجتمع

تحقيق صادم: لوبي الشيشة بطنجة أقوى من القانون…

الإثنين 25 مايو 2015 - 10:26

تحقيق صادم: لوبي الشيشة بطنجة أقوى من القانون…

طنجاوي: سعيد المتدين

التزايد الصاروخي لمقاهي الشيشة بطنجة، صار أحد الظواهر الشائكة والمثيرة بالمدينة، جعلت الرأي العام المحلي والساكنة تطرح العديد من التساؤلات حول من يتغاضى عن هذا المنكر، لما لها من تداعيات خطيرة على قيم المجتمع وتماسكه، ولما لها كذلك من تبعات سلبية تهدد سلامة النسيج المجتمعي برمته. فإذا كان تواجد هذه الفضاءات المشبوهة يشكل معضلة تستوجب تسليط الضوء عليها وكشف العوالم الثاوية خلفها، فإن ما ينبغي الوقوف عليه بشكل مستعجل هو مسألة اتساع النطاق الجغرافي لمقاهي الشيشة بوثيرة تنذر بكارثة حقيقية، بعد أن صارت تفتح أبوابها في كل مكان، من دون احترام لخصوصية بعض الأمكنة و الفضاءات، وذلك بموازاة مع تزايد إقبال الشباب، معظمهم من القاصرين، على ارتيادها بشكل يبعث على القلق.

طقوس خاصة بمقاهي الشيشة

تقدم مقاهي الشيشة بطنجة نفسها بملامح متشابهة، واجهة زجاجية غير كاشفة لما خلفها، تعلوها لافتة كتبت عليها كلمة “مطعم” بغرض التمويه، حراس شداد غلاظ من الأمن الخاص بالمدخل، دخان كثيف ممزوج برائحة “المعسل”،وأضواء خافتة تتماهى مع أطيافها فتيات و شبان في مقتبل العمر، يختلسون لحظات حميمية على أنغام موسيقى صاخبة، غالبا ما تنتهي بتنظيم سهرات ماجنة، من تنشيط أجواق وفرق موسيقية مختصة في عزف أغاني النشاط…

وخدمة لراحة الزبناء يحرص النادلون على تقديم قارورات زجاجية لتدخين الشيشة تسمى “النرجيلة” بسعر يتراوح بين 50 و 100 درهم، مثلما تدهم على أهبة الاستعداد، حاملين بأيديهم إناءا نحاسيا ممتلئا بفحم مشتعل لاستبدال الفحم المحترق الذي وضع بعناية فوق رأس النرجيلة.

خلف أجواء السهر والنشاط المؤثثة لمقاهي الشيشة، تجري معارك وصراعات خفية بين مافيات ترويج المخدرات الصلبة وحبوب الهلوسة للظفر بأكبر حصة من المبيعات، خصوصا وأن جل المتعاطين هم من المراهقين الذين يقبلون بشراهة لافتة على استهلاك الكوكايين والهروين، ومسحوق “ايميديا” الشديد الفعالية وأقراص الهلوسة على شاكلة “ايكستا” وغيرها. 

ولذلك فقد صارت مقاهي الشيشة، بما توفره من شروط المتعة والنشاط، تضاهي الحانات والعلب الليلية، بل دخلت معها في منافسة شرسة لاستقطاب أكبر عدد من الزبائن، إلى درجة أصبحت معها مقاهي الشيشة تتهافت على رفع سقف المجون و الانحراف، عبر استدراج الفتيات القاصرات لضمان مزيد من الإغراء واستقطاب الباحثين عن اللذة المحرمة.

يقول (م.أ) وهو مسير لإحدى العلب الليلية بكورنيش طنجة “لقد تراجع إقبال الزبناء على الملاهي الليلية بالتوازي مع اتساع رقعة مقاهي الشيشة، لم نعد قادرين على مجاراتهم في حجم ودرجة الإغراء، إنها أوكار حقيقية للدعارة، تجد فيها الفتيات القاصرات و الشواذ و القوادة والمخدرات بشتى صنوفها، في غياب تام لأية رقابة !..”. 

مقاهي الشيشة: فضاءات للانحراف والرذيلة في محيط المؤسسات التعليمي.

لم تعد مخاطر مقاهي الشيشة ترتبط بما تحتضنه سلوكات تمس بالأخلاق وبالقيم المجتمعية، وتساعد على تفشي الانحراف و الانحلال، بل صار الأمر يكتسي صبغة أكثر خطورة، خصوصا إذا علمنا أن المراهقين والفتيات القاصرات وتلاميذ  المدارس، أصبحوا  الفئات العمرية الأكثر إقبالا على هذه الفضاءات المشبوهة.

الأفظع من ذلك كله، تكاثر مقاهي الشيشة وتمركزها بجانب المؤسسات التعليمية، بشكل أصبح معه يشكل خطرا كبيرا على التلاميذ، الذين يجدون أنفسهم على عتبات مقاهي الشيشة، التي أصبحت جزءًا من محيط بعض المؤسسات التعليمية. الأمر الذي دفع آباء وأولياء التلاميذ إلى رفع شكايات بشكل متكرر إلى الجهات المختصة لكن دون جدوى. يقول (ك.س) وهو أب لتلميذين يتابعان دراستهما في إعدادية “أحمد شوقي” الواقعة وسط المدينة: ” منذ افتتاح مقهى الشيشة بجوار المؤسسة التعليمية، حيث يدرس أبنائي، و أنا متخوف على مصيرهما، نعلم أن أمورا قذرة وفظيعة تحدث بهاته الفضاءات، لذلك أجد نفسي مجبرا على مرافقتهم من وإلى مؤسستهم، فالوضع ملتبس و غير مطمئن “.

ويتزايد قلق أسر التلاميذ أمام انتشار مقاهي الشيشة، كالوباء، بمحيط المؤسسات التعليمية خصوصا الواقعة بمقاطعة طنجة-المدينة، كإعدادية أحمد شوقي، و إعدادية ابن بطوطة، ومؤسسة البعثة الفرنسية، وثانوية مولاي يوسف التقنية، و مدرسة طارق ابن زياد، والمعهد الدولي للسياحة، وكذا مجموعة من المعاهد والمؤسسات التعليمية الخاصة.

فضاءات الشيشة في عمق الإقامات السكنية

 إذا كانت مقاهي الشيشة قد أضحت فضاءات جاذبة للقاصرين و لإفساد الشباب، وبؤرا للانحراف، وما يرافق ذلك من تنظيم سهرات ماجنة، تشجع على الدعارة واستهلاك المخدرات بكل أصنافها، فإن تمركزها بجوار الإقامات السكنية والأحياء الآهلة بالسكان، يعد تجنيا خطيرا، وانتهاكا صارخا لحقهم في السكينة والطمأنينة والأمن، لما لذلك من انعكاسات خطيرة على راحة و سلامة أسرهم. ولا يخفى أن المواطنون المتضررون من هذا الإزعاج والتشويش، يمطرون مصالح الأمن يوميا بعشرات الشكايات، يعبرون من خلالها عن استنكارهم الشديد من انتشار مقاهي الشيشة في محيط إقامتهم،وتذمرهم من الضجيج الذي يزعجهم والتلوث الناجم عن الدخان الكثيف الذي يهدد صحة و سلامة أسرهم.غير أن هذا الإحتجاج يواجه دائما بصمت الجهات المسؤولة،يقول (م.ب) الذي يقيم بجوار مقهى للشيشة”كنا نعيش في سلام،حتى جاء اليوم الذي اكترى فيه مالك العمارة المحل التجاري الكائن بالطابق الأرضي،في البداية استخرج المكتري رخصة مطعم،غير أنه فور انتهائه من تجهيز المحل فاجأنا بافتتاح مقهى للشيشة،لقد تملكنا شعور بالإحباط والتذمر،وأصبنا بالذهول مما نراه،فتيات قاصرات بلباس فاضح وفي أوضاع مخلة بالحياء مع شبان في مقتبل العمر،مخدرات بشتى أنواعها تباع وتستهلك جهارا وبافتضاح،ضجيج يمتد إلى ساعات متأخرة من الليل،كل هذا والسلطات لاتحرك ساكنا رغم كل الشكايات و الاحتجاجات”.

فشل ذريع على مستوى المقاربة الأمنية

مقاهي الشيشة كبؤر للفساد، وكوجهة يرتادها القاصرون لتعاطي المخدرات، أصبحت تشكل تهديدا ماحقا على السلوك المجتمعي، مما يستلزم مقاربة أمنية صارمة تناسب درجة الخطورة التي باتت تشكلها هذه الظاهرة المستورَدة والمدمرة لتماسك نسيج المجتمع المغربي.

وعلى الرغم من قرارات الإغلاق الصادرة من المصالح المختصة بمجالس المقاطعات حسب نفوذهم الترابي، وتوجيه إنذارات للبعض الآخر بضرورة الوقف الفوري عن استغلال هاته المقاهي لتقديم الشيشة للزبائن تحت طائلة السحب النهائي للترخيص، فإن جميع هاته القرارات بقيت ذات طابع محتشم، ولم تغير من واقع الحال شيئا، بل على النقيض من ذلك، لا يكاد يمر أسبوع من دون فتح مقهى جديدة.

وإذا كان إحصاء مقاهي الشيشة بطنجة  يكشف رقما مخيفا، إذ يناهز عددها المائة، فإن سنة 2015 وحدها سجلت ميلاد 20 مقهى جديدا لاستهلاك الشيشة. مما يكشف عورة المصالح ذات الصلة بمراقبة الأماكن العمومية، مما يطرح الكثير من التساؤلات حول مصداقية المجهودات التي تقوم بها في محاصرة هاته الظاهرة، وبالرجوع إلى حصيلة لجان المراقبة التي ما فتئت تتغنى بقراراتها، فإن الأمر لا يعدو عن حجز عدد محدود للنرجيلات والفحم ومادة المعسل، لتبقى أسئلة الرأي العام المحلي منتصبة  حول الجدوى من الحملات الأمنية التي تباشرها السلطات، في الوقت الذي تنبث فيه شهريا مقاهي جديدة مثلما تنبت الفطر…

يحكي (أ.س)، وهو مسير سابق لإحدى مقاهي الشيشة بطنجة، لموقع “طنجاوي”، “لا يمكن لحملات المراقبة أن تكون ذات نجاعة، مادام هناك تواطؤ بين أرباب مقاهي الشيشة وبعض مكونات لجان المراقبة، فعند أي عملية مداهمة يتم تسريب الخبر لمالكي المقاهي، حيث يتم إخفاء النرجيلات ولوازمها، وإخلاء الفضاء من الزبناء، وفي بعض الأحيان يتم إقفال المقهى، إلى أن تهدأ الأمر، لتعود الأوضاع إلى ما كانت عليه سابقا وربما أفضل!…”، “طبعا كل شيئ بثمنه ” يضيف المتحدث.

واقع الأشياء يؤكد أن مقاهي الشيشة بطنجة، صارت جريمة مكتملة الأركانـ، ترتكب يوميا في حق ساكنة المدينة وعلى المكشوف، دون أن تجرؤ المصالح المختصة والأجهزة الأمنية على تحريك أي ساكن، بل يشتم في الأمر رائحة تواطؤ خطير بين لوبي الشيشة والإدارات ذات الصلة، مما بات مستعجلا إيجاد حل جذري وصارم، قبل أن يصبح الوضع خارجا عن السيطرة.، ولم يعد من المقبول التذرع بغياب قانون واضح يجرم استهلاك الشيشا، لأن الأمر تطور إلى تحويلها لماخورات دعارة  القاصرات، وتعاطي المخدرات، ومرتعا لمافيا  المخدرات الصلبة وحبوب الهلوسة، التي تجد في القاصرين صيدها الثمين…