
إثر التصريح الأخير لجيرارد لارشي، رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي، خلال زيارته لمدينة العيون بالصحراء المغربية، والذي أكد فيه نية بلاده تعزيز حضورها القنصلي في الأقاليم الجنوبية للمملكة، ظهرت تساؤلات حول الأسباب التي تحول دون إعلان فرنسا بشكل صريح عن افتتاح قنصلية بإحدى المدن الصحراوية المغربية.
ويرى أكاديميون مختصون في العلاقات الدولية أن فرنسا تواصل الإشارة إلى توجهها نحو تعزيز وجودها القنصلي بالصحراء، معتبرين أن تأخر الإعلان الرسمي قد يكون مسألة وقت، لكنه يطرح الحاجة إلى وضوح أكبر. ويعزون هذا التأخير إلى سببين رئيسيين: أولهما رغبة باريس في تجنب إثارة غضب الجزائر، التي أبدت ردود فعل حادة على زيارات مسؤولين فرنسيين رفيعي المستوى للصحراء المغربية، وثانيهما انتظار تحركات واشنطن في هذا الملف.
امتصاص غضب الجزائر
يرى محمد نشطاوي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاضي عياض بمراكش، أن “إقامة تمثيل قنصلي هو الخطوة التالية بعد إنشاء مركز ثقافي فرنسي في المنطقة”، مشيرًا إلى أن العلاقات المغربية الفرنسية دخلت مرحلة جديدة. ويفسر تأخر الإعلان عن افتتاح قنصلية فرنسية في الأقاليم الجنوبية بأنه ربما يأتي في سياق محاولة باريس تهدئة التوتر مع الجزائر، التي عبّرت عن استيائها عند زيارة وزيرة الثقافة الفرنسية رشيدة داتي، وكذلك عند زيارة رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي.
وأضاف نشطاوي أن “التحركات الأخيرة توحي بأن الخطوة التالية ستكون افتتاح قنصلية، وهو ما سيكون له تأثير كبير على موقف الجزائر، خاصة في ظل التوتر القائم بين باريس والجزائر عقب سحب الأخيرة لسفيرها من فرنسا”. كما شدد على أن “التمثيل القنصلي الفرنسي في الأقاليم الجنوبية، بأي شكل كان، يخدم الهدف ذاته”، معتبرًا أن “هذه الخطوة ستكون حاسمة في مسار الاعتراف الدولي بسيادة المغرب على صحرائه، وستشكل ضربة قوية للموقف الجزائري ومناورات الانفصاليين”.
التنافس الأمريكي الفرنسي
من جهته، يرى الأكاديمي والباحث السياسي محمد شقير أن فرنسا عززت موقفها بشأن الصحراء المغربية بعد زيارة الرئيس إيمانويل ماكرون، وهو ما تأكد عبر الزيارات المتكررة لمسؤولين فرنسيين رفيعي المستوى، آخرها زيارة جيرارد لارشي. وأكد أن هذه التحركات ستتوج، لا محالة، بعملية افتتاح قنصلية فرنسية، خاصة بعد تأكيد لارشي من قلب العيون أن مستقبل الصحراء وحاضرها لا يمكن تصورهما خارج إطار السيادة المغربية.
وأشار شقير إلى أن فتح قنصلية فرنسية في الأقاليم الجنوبية ليس محل تأويلات كثيرة، بل هو تتويج لمسار بدأته باريس منذ زيارة ماكرون للمغرب وخطابه أمام البرلمان المغربي. وأضاف أن “فرنسا تتبع نهجًا تدريجيًا في التعامل مع الملف، حيث تهيئ الرأي العام الفرنسي والمغربي لهذه الخطوة، لكنها في الواقع قد حسمت موقفها منذ مدة، وما يؤكد ذلك هو الاعتراف الفعلي بمغربية الصحراء”.
وأوضح أن التأخير في الإعلان الرسمي عن القنصلية الفرنسية يدخل أيضًا ضمن سياق التنافس الأمريكي الفرنسي في ملف الصحراء المغربية، مشيرًا إلى أن “الولايات المتحدة سبق أن أعلنت عن نيتها فتح قنصلية في الداخلة، لكنها لم تُفعّل القرار بعد”، مما يجعل فرنسا تراقب ما ستفعله واشنطن قبل اتخاذ خطوتها. وخلص إلى أنه “عند افتتاح القنصلية الأمريكية في الداخلة، من المرجح أن تختار فرنسا مدينة العيون، والأهم أن كلا القنصليتين قادمتان، خصوصًا الفرنسية”.